السبت، 24 أكتوبر 2015

ضياع الامانة وقلة العلم وانتشار الكتابة

ضياع الأمانة. 

والأمانة ضد الخيانة حتى إن الناس ينعكس مفهومهم وينكرون على الأمين أمانته ويعتبرونه درويشاً مغفلاً وأيضاً يقلبون عليه الأمور أمام الناس ويصفونه بالخيانة وعلى العكس من ذلك، الخائن هو الأمين في نظرهم ويقلبون الحقائق ليبرئوا ساحته ليظهر أنه أمين لا ضير عليه. وهذا مصداق لما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في معرض حديثه: ((ويخوّن الأمين ويؤتمن الخائن)). ومن يختلط بالناس عموماً ويحتك بهم ويأخذ ويعطي هو بنفسه معهم يجد أموراً غريبة لا يكاد يصدِّق وجودها بين المسلمين فضلاً عن غيرهم لو لا الأحاديث الواردة في ذلك التي تورد الطمأنينة على نفسه وتزيد إيمانه ويقينه، أما البعيدون عن الاحتكاك بالناس أو الذين يعيشون في بروج عاجية بعيداً عن أمر العامة فيظنون أن الأمور في أحسن الأحوال، وينطبق عليهم إن كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم.
فمن مظاهر تضييع الأمانة إسناد أمور الناس أياً كانت تلك الأمور إلى غير أهلها، ومعلوم أن أهلها هم أهل الأمانة والصدق والتعفف عن الحرام والإخلاص والوفاء وأداء الأمانة كما ينبغي بعد الخوف من الله عز وجل. فإذا أسندت مصالح الناس إلى غير أهلها ضاعت الحقوق وحصل الاستخفاف بمصالح العباد وإيغار الصدور وإثارة الفتن وإشاعة الفوضى في المجتمع وهذا هو حال المجتمعات اليوم، وبهذا يتبين صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل على قرب وقوع القيامة، فحيناً يفكر المؤمن ويمعن النظر في واقع البشر اليوم يجد ذلك الخبر واقعاً ومشاهداً لا يملك إلا أن يقول إنا لله وإنا إليه راجعون وهو حسبنا ونعم الوكيل.
روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: ((أين أُراه السائل عن الساعة؟)). قال: ها أنا يا رسول الله. قال: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)). قال: كيف إضاعتها؟ قال: ((إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)). وفي حديث آخر بيّن الرسول صلى الله عليه سلم كيف ترفع الأمانة من القلوب وأنه لا يبقى منها في القلب إلا أثرها حتى يصير الرجل خائناً بعد أن كان أميناً لمخالطته أهل الخيانة فيقتدي بهم ويفعل فعلهم.

جاء في صحيح البخاري رحمه الله من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا: ((أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة)). وحدثنا عن رفعها قال: ((ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت)) _ أي كالنقطة في الشيء من غير لونه ((ثم ينام النومة فتقبض ويبقى أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفه، وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت ،لئن كان مسلماً رده علي الإسلام، وإن كان نصرانياً رده علي ساعيه، فأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً)). وورد أيضاً: ((أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخرها الصلاة)). وهاهو التهاون والاستخفاف بالصلاة وشأنها نعيشه الآن حيث تمتلئ المساجد في الجمع والعيدين وتخلو من كثير من المسلمين في الفروض، فأين أولئك الرجال من ناحية الحضور وأين إقامة الصلاة والخشوع وثمرة الصلاة في حياة الناس بالانتهاء عما يغضب الله عز وجلّ مع أن الأمانة عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الاْمَانَةَ عَلَى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72]. وهناك خطبة مستقلة عن الأمانة وما يتعلق بها، والكلام هنا هو عن إضاعتها وانتشار الخيانة، وكل لديه الشيء الكثير من المعلومات ولا داعي لضرب الأمثلة،

ومن أشراط الساعة كثرة الكتابة وانتشارها وفي نفس الوقت
يرفع العلم ويقبض العلماء ويثبت الجهل
ويفشو وينزل في أوساط الناس، وقد يظن ظان بأن في الأحاديث تناقضاً، وليس الأمر كذلك وإنما هو الواقع اليوم كما أخبر رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث انتشرت الكتابة وفشت حتى صارت دول العالم بأكملها تحارب الأمية كما يقولون فترى الرجال والنساء الذين فاتهم قطار التعليم والتعلم في الصغر يسارعون إلى الالتحاق بها حتى تفشو الكتابة وتنتشر ويحصل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم. لكن ذلك التعلم والتعليم لهم ولغيرهم يكون فيه الجهل أيضاً، علم العلوم الدنيوية وتعلمها يكون كثيراً فنحن نرى ونسمع عن تقدم العلوم، ولكن في أي مجال؟ إنها تعلّم علوم الحياة الدنيوية، والجهل بالعلوم الشرعية، لذلك ترى كثيراً من الناس لا يعرفون كثيراً مما تدعو إليه الضرورة في دينهم فضلاً عن الأمور الأخرى، وهذا يدل على جهل أكثر المسلمين بدينهم بالرغم من تقدم العلوم في جميع المجالات ومنها ما يسمونه بالثقافة وأن أكثر أفراد المجتمع مثقفون، نعم إنهم مثقفون في أمور الدنيا ولكن الجهل محيط بهم ومخيم عليهم في أمور دينهم، وأول تلك العلوم الشرعية التي لا يتقنونها مع أنهم معظمهم من العرب ويتكلمون بلسان عربي أولها: القرآن الكريم.


فمعظم من يعيش في مجتمع المسلمين من العرب لا يعرفون كيف يتلون كتاب الله كما أنزل، فهذا من الجهل. كذلك علم الفرائض التي ورد فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن هذا العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما)). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل ويرفع العلم)). وقال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: ((يتقارب الزمان ويقبض العلم وتظهر الفتن ويلقى الشح ويكثر الهرج)). أي القتل. وقد وقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يزال إلى أن تقوم الساعة حتى يُسْرى بالقرآن لا يبقى منه في الصدور ولا في السطور آية من كتاب الله. فتقارب الزمان حاصل حيث أن السنة تمر علينا كالشهر والشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم واليوم كالساعة والساعة كالدقيقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة)). ولم يعد في الأوقات بركة، وهاهي السنون تطوينا طياً، وعلم الدين الصحيح في طريقه من سنوات مضت وذلك بقبض العلماء المتقين لله الذين هم ورثة الأنبياء ويحيون السنة ويميتون البدع ويحذرون منها فيظهر على العكس من يميت السنة ويحيي البدعة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء حنى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)). فتبين من هذا الحديث المتفق على صحته أن العلم المراد بالجهل فيه علم الدين، وجهل الناس هو الجهل بأمور الإسلام حتى إنهم يتخذون الجهال مفتين لهم فتكون الفتوى بغير علم فيضل السائل والمسؤول عياذاَ بالله من ذلك.
وأما عن كثرة الكتابة وانتشارها فيقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: ((إن بين يدي الساعة.. ظهور القلم)). وفي حديث آخر: ((إن من أشراط الساعة.. أن يكثر التجار ويظهر العلم)). وقد كثرت الكتابة وانتشرت حتى بتوفر آلات الطباعة والتصوير التي سهلت انتشار الكتابة في أسرع وقت وأصبحنا نشاهد طباعة الجرائد والمجلات وغيرها من الأوراق الأخرى وتبادل المعلومات على بعد آلاف الكيلو مترات في المخترعات الحديثة التي سهلت نشر الكتابة وانتشارها خلال دقائق بل ثوانٍ مع الحاسبات الآلية والشبكة العنكبوتية، شبكة المعلومات المسماة بالإنترنت وغيرها. فمن أخبر رسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم وأعطاه جوامع الكلم ليتحدث بها عن أمور غيبية تقع بعده بمئات السنين؟ إنه الله عز وجل الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى فتبارك الله رب العالمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يُدْرَى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى منه في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس. الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة يقولون: لا إله إلا الله، فنحن نقولها)). وهذا والله أعلم في آخر الزمان عند قرب القيامة. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((لينزعن القرآن من بين أظهركم يُسْرَى عليه ليلاً فيذهب من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء)).

التماس العلم عند الأصاغر أي أهل البدع والأهواء،
وعندها يتفرق الناس وتتعدد المذاهب وتكثر الأحزاب الأهواء ويعجب كل ذي رأي برأيه ويتشبث به ويناصره ويبغض ويعادي من أجل الانتصار لرأيه وما هو عليه ويبغض ويعادي مخالفيه ويعتقد أنه على الحق وغيره على الباطل وعندها تكون الهلكة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة ثلاثاً، إحداهن: أن يلتمس العلم عند الأصاغر)). وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا. وسئل عبد الله بن المبارك رحمه الله عن الأصاغر؟ فقال: الذين يقولون برأيهم، فأما صغير يروي عنه كبير فليس بصغير، وقال أيضاً: إنهم أهل البدع وقد يقال كما هو مشاهد الآن وكما هو ظاهر في الوسائل الإعلامية المختلفة بأن المبتدئين في طلب العلم والذين يحبون الشهرة والمتحمسين للدعوة أيضاً وغيرهم ممن يظهر على الشاشات وأمام اللاقطات وعلى صفحات الجرائد والمجلات ويفتون الناس بعلم وبغير علم ويُترك العلماء والراسخون في العلم ويبعدون عن الظهور لأي سبب من الأسباب فيؤخذ العلم من الأصاغر ويترك الأكابر والله أعلم.

ومن العلامات ذهاب الصالحين وقلة الأخيار والمتقين وكثرة الأشرار
وازديادهم حتى تقوم الساعة على شرار الخلق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يأخذ شريطته _ أي أهل الخير والصلاح من أهل الدين _ من أهل الأرض فيبقى فيها عجاجة _ الغوغاء والأراذل ومن لا خير فيه _ لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((يأتي على الناس زمان يغربلون فيه غربلة يبقى منهم حثالة قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فكانوا هكذا)) وشبك بين أصابعه.
ومنها ارتفاع أسافل الناس على خيارهم فتكون أمور الناس ومصالحهم بين سفهائهم وأراذلهم ويكونون هم أسعد الناس. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنها ستأتي على الناس سنون خداعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة)). قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((السفيه يتكلم في أمر العامة)). وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع)).
ومنها صدق رؤيا المؤمن في آخر الزمان فهي تقع كما رآها في المنام، ولا تحتاج إلى تعبير وتأويل تسلية للمؤمن الصادق وإكراماً له وإعانة وإيناساً له بالرؤيا الصادقة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق